من أوراق أبونواس
|
(الورقة الأولى)
|
"ملِكٌ أم كتابهْ?"
|
صاحَ بي صاحبي; وهو يُلْقى بدرهمهِ في الهَواءْ
|
ثم يَلْقُفُهُ..
|
(خَارَجيْن من الدرسِ كُنّا.. وحبْرُ الطفْولةِ فوقَ الرداءْ
|
والعصافيرُ تمرقُ عبرَ البيوت,
|
وتهبطُ فوق النخيلِ البعيدْ!)
|
"ملِك أم كتابه?"
|
صاح بي.. فانتبهتُ, ورفَّتْ ذُبابه
|
حولَ عينيْنِ لامِعتيْنِ..!
|
فقلتْ: "الكِتابهْ"
|
... فَتَحَ اليدَ مبتَسِماً; كانَ وجهُ المليكِ السَّعيدْ
|
باسماً في مهابه!
|
...
|
"ملِكٌ أم كتابة?"
|
صحتُ فيهِ بدوري..
|
فرفرفَ في مقلتيهِ الصِّبا والنجابه
|
وأجابَ: "الملِكْ"
|
(دون أن يتلعثَمَ.. أو يرتبكْ!)
|
وفتحتُ يدي..
|
كانَ نقشُ الكتابه
|
بارزاً في صَلابه!
|
دارتِ الأرضُ دورتَها..
|
حَمَلَتْنا الشَّواديفُ من هدأةِ النهرِ
|
ألقتْ بنا في جداولِ أرضِ الغرابه
|
نتفرَّقُ بينَ حقولِ الأسى.. وحقولِ الصبابه.
|
قطرتيْنِ; التقينا على سُلَّم القَصرِ..
|
ذاتَ مَساءٍ وحيدْ
|
كنتُ فيهِ: نديمَ الرشِيد!
|
بينما صاحبي.. يتولى الحِجابه!!
|
***
|
(الورقة الثانية)
|
من يملكُ العملةَ
|
يُمسكُ بالوجهيْن!
|
والفقراءُ: بَيْنَ.. بيْنْ!
|
***
|
(الورقة الثالثة)
|
نائماً كنتُ جانبَه; وسمعتُ الحرسْ
|
يوقظون أبي!..
|
- خارجيٌّ?.
|
- أنا.. ?!
|
- مارقٌ?
|
- منْ? أنا!!
|
صرخَ الطفلُ في صدر أمّي..
|
(وأمّيَ محلولةُ الشَّعر واقفةٌ.. في ملابِسها المنزليه)
|
- إخرَسوا
|
واختبأنا وراءَ الجدارِ,
|
- إخرَسوا
|
وتسللَ في الحلقِ خيطٌ من الدمِ.
|
(كان أبي يُمسكُ الجرحَ,
|
يمسكُ قامته.. ومَهابَتَه العائليه!)
|
- يا أبي
|
- اخرسوا
|
وتواريتُ في ثوب أمِّيَ,
|
والطِّفلُ في صدرها ما نَبَسْ
|
ومَضوا بأبي
|
تاركين لنا اليُتم.. متَّشِحاً بالخرَس!!
|
***
|
(الورقة الرابعة)
|
أيها الشِعرُ.. يا أيُها الفَرحُ. المُخْتَلَسْ!!
|
(كلُّ ما كنتُ أكتبُ في هذهِ الصفحةِ الوَرَقيّه
|
صادرته العَسسْ!!)
|
***
|
(الورقة الخامسة)
|
... وأمّي خادمةٌ فارسيَّه
|
يَتَنَاقَلُ سادتُها قهوةَ الجِنسِ وهي تدير الحَطبْ
|
يتبادلُ سادتُها النظراتِ لأردافِها..
|
عندما تَنْحني لتُضيءَ اللَّهبْ
|
يتندَّر سادتُها الطيِّبون بلهجتِها الأعجميَّه!
|
نائماً كنتُ جانبَها, ورأيتُ ملاكَ القُدُسْ
|
ينحني, ويُرَبِّتَ وجنَتَها
|
وتراخى الذراعانِ عني قليلاً
|
قليلا..
|
وسارتْ بقلبي قُشَعْريرةُ الصمتِ:
|
- أمِّي;
|
وعادَ لي الصوتُ!
|
- أمِّي;
|
وجاوبني الموتُ!
|
- أمِّي;
|
وعانقتُها.. وبكيتْ!
|
وغامَ بي الدَّمعُ حتى احتَبَسْ!!
|
***
|
(الورقة السادسة)
|
لا تسألْني إن كانَ القُرآنْ
|
مخلوقاً.. أو أزَليّ.
|
بل سَلْني إن كان السُّلطانْ
|
لِصّاً.. أو نصفَ نبيّ!!
|
***
|
(الورقة السابعة)
|
كنتُ في كَرْبلاءْ
|
قال لي الشيخُ إن الحُسينْ
|
ماتَ من أجلِ جرعةِ ماءْ!
|
وتساءلتُ
|
كيف السيوفُ استباحتْ بني الأكرمينْ
|
فأجابَ الذي بصَّرتْه السَّماءْ:
|
إنه الذَّهبُ المتلألىءُ: في كلِّ عينْ.
|
إن تكُن كلماتُ الحسينْ..
|
وسُيوفُ الحُسينْ..
|
وجَلالُ الحُسينْ..
|
سَقَطَتْ دون أن تُنقذ الحقَّ من ذهبِ الأمراءْ?
|
أفتقدرُ أن تنقذ الحقَّ ثرثرةُ الشُّعراء?
|
والفراتُ لسانٌ من الدمِ لا يجدُ الشَّفتينْ?!
|
...
|
ماتَ من أجل جرعة ماءْ!
|
فاسقني يا غُلام.. صباحَ مساء
|
اسقِني يا غُلام..
|
علَّني بالمُدام..
|
أتناسى الدّماءْ!!
|
...
|
آه
|
من يوقف في رأسي الطواحين
|
ومن ينزع من قلبي السكاكين
|
ومن يقتل أطفالي المساكين
|
لئلا يكبروا في الشقق المفروشة الحمراء خدّامين
|
من يقتل أطفالي المساكين
|
لكيلا يصبحوا في الغد شحاذين
|
يستجدون أصحاب الدكاكين وأبواب المرابين
|
يبيعون لسيارات أصحاب الملايين الرياحين
|
وفي المترو يبيعون الدبابيس وياسين
|
وينسلون في الليل
|
يبيعون الجعارين لأفواج الغزاة السائحين
|
...
|
هذه الأرض التي ما وعد الله بها
|
من خرجوا من صلبها
|
وانغرسوا في تربها
|
وانطرحوا في حبها مستشهدين
|
فادخلوها بسلام آمنين
|
ادخلوها بسلام آمنين..
|
إرسال تعليق